Thursday, 24 November 2011

تداعيات القرارات الملكية الأخيرة على فكر النخبة



أكاد أجزم بأن طريقتنا في تناول القضايا الملحة وموضوعات التطوير لها أثر كبير في التعثر الذي نشهده على عدد من المستويات ، ولا أدل على ذلك من قضايا قيادة المرأة للسيارة وبقية الجدليات الاجتماعية المشابهة التي يحكمها التوجه الفردي والاجتماعي المتباين بحسب مفاهيم الأسرة والجهوية والاحتياج والثقافة ، والتي لم نأخذ منها سوى المزيد من الصراع والتوتر بين تيارات التشدد والحداثة المختلفة النطاق والحدة .


من الطبيعي أن الحلول الناجحة لا تبدأ بحل ظرفي تفصيلي كقيادة المرأة للسيارة فهذا ليس بقرار سياسي أصلا ، ولا أتخيل أن القيادة العليا للبلاد ستصدر يوما ما مرسوما أو أمرا ساميا ينص على هذه المفردات التفصيلية ، فمن طبيعة الحلول الناجحة أنها تعالج وتبدأ بحل تنظيمي شامل تشريعي شامل يتفوق في تعامله مع المشكلات على الطرح الجزئي الذي يبث الخلاف والنظرة الفردية ، وهذا هو ماحدث مؤخرا من القرارات الملكية الكريمة التي أطلقها خادم الحرمين حفظه الله في مجلس الشورى لتأهيل المرأة السعودية لدخول مضمار الشأن العام.


لا ألوم المجتمع المشغول بهذه الجزئيات التي تفرق ولا تجمع ، ولكنني أعتب على المفكرين وأقلام النخبة الإعلاميين في ترك الباب مواربا لتغذية هذه الخلافات والتشتت ، وعدم أخذهم بزمام المبادرة والطرح وجدية التناول والتركيز على الإطار الذي يكرس تقنين ودسترة حقوق الفرد وإعلانها ، ويؤكد على مرجعية الارتكاز في عمل المؤسسات الحكومية لصالح المواطن ولتلبية احتياجاته وحقوقه المنصوص عليها في القوانين والأنظمة حتى يكون للوظيفة الحكومية مغزى خدمي وتوجه هادف نحو المواطن بجنسيه ، مما يعجل في إحداث التحول في ثقافة ومعنى الوظيفة الحكومية ويساهم في إلغاء الشخصنة ويحفظ للمواطن حقه في التقاضي وتقرير مصير وصلاحية موظفي الدولة القائمين على خدمة المواطن بناء على قدرتهم على الوفاء بهذا النوع من الالتزامات الوظيفية أو انتهاكهم للحدود الوظيفية أو تقصيرهم في القيام بالحد الأدنى من الفائدة المرجوة من عمله الوظيفي وخضوعهم للمحاسبة من قبل المستفيد الأول من وجودهم وبقائهم في الوظائف والمناصب التي أولتهم القيادة الحكيمة في الدولة الثقة للقيام بها.


هذا من شأنه أن يستوعب التوجهات الشخصية فيما يجوز للمرأة أو الرجل وما لايجوز له اجتماعيا ، وللحد من أن يسير الشأن العام والاجتماعي على رأي طرف متشدد أو طرف منفلت أو طرف غير محتاج أو لا يعنيه شأن ما ، بل فتح المجال وتوسيع النطاق ضمن حدود تحفظ الاختيار المدني الحر للمواطن ضمن الأصول الشرعية المعتبرة .


نحن نعاني اليوم من سندان غياب التنظيمات اللازمة لإعطاء الحقوق لأهلها ومن مطرقة قمع طرف من المجتمع لطرف آخر ، والنتيجة تعثر المشاريع الوطنية وتعثر الخيارات الحياتية للمواطن والغرق فيما لا طائل منه ، والوطن غير مستفيد البتة من بقاء حال المعالجات في المستوى التكتيكي دون الارتقاء للمستوى الاستراتيجي ، وهذا ليس برأي بل بديهية علمية ظاهرة وواضحة لعلي هنا فقط ألفت النظر إليها لفتح الأفق في وجه التحديات التي نواجهها في سبيل مشاريع التطوير النوعية التي نطمح لها في كافة المجالات وبالذات في نوعية المستوى المعيشي والرقي بتعامل الجهات الحكومية مع متطلبات المواطنين.


يسؤني جدا الغوص في جدليات مايحق للمرأة ومالا يحق لها بشكل جهوي أو عشائري ومايحق للمواطن بشكل اجتهادي فردي وحماسي يقل أو يزيد حسب مزاج الموظف الحكومي في يوم ما أو ساعة ما ، وأرنو إلى أن ننظر نحو الإطار التنظيمي الأعلى الذي يوجه ويحتوي التنوع بدلا من انتظار إجماع لن يأتي على مفردات الحقوق بناء على وجهات النظر والآراء الشخصية.

No comments: