Monday, 21 November 2011

الطموحات الوطنية للتنمية والجمعيات التعاونية






واجهتنا في أواخر القرن العشرين متغيرات كثيرة وتحديات خارجة عن قدرتنا على السيطرة عليها وتطويعها أو احتوائها ، ربما أصابنا الذهول والحيرة في مواقف كثيرة وتزايد ذلك مع إطلالة القرن الواحد والعشرون الذي يفرض نفسه علينا بمقاييس لم نتداولها كثيرا من قبل وأولها الإبداع والقدرة الخلاقة على الاستفادة من الواقع ومن تجارب الآخرين.


كانت مشاريع التنمية وخططها الخمسية تتراوح بين مستويين أحلاهما مرّ بضغط ضعف المداخيل وحجم الدين العام واليوم في العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين والهدوء والأمن النسبي في المنطقة ، يتوجب علينا استحداث نماذج جادة وعملية تخدم مشاريع التطوير والتنمية ويلمسها المواطن مباشرة ومن دون استثناء "ليقترب الكيان الراعي من الفرد المواطن" وليتمثل الجهد الوطني للتنمية والتطوير في فائدة ملموسة للمواطن وبالأخص الأقل حظا ، ولترتكز محاور الإنفاق الحكومي حوله وحول همومه واهتماماته ، وليصب المال العام بنفع يعم جميع المواطنين دون استثناء وبشكل مباشر .


بالطبع فإن تلك العبارة هي فحوى ديباجة جميع المشاريع الوطنية والتخطيط الاستراتيجي لتحسين المستوى المعيشي للفرد ورفع كفاءة مؤسسات الدولة للقيام بواجباتها نحو الوطن والمواطن ، ولكنني اليوم أقدم بين أيديكم خلاصة تجارب "العالم المتقدم" في أمريكا وكندا وبريطانيا واستراليا وحتى الهند والفلبين والذي أنتج رخاء نسبيا معقولا للفرد متفاوتا حسب ثروات بلدانهم ، واستحدث وطوّر نماذج عمل تصبّ مباشرة في النفع العام دون المرور عبر بوابات الكيانات التجارية العملاقة الهادفة للربح والتي لا تلام على سعيها لاستخلاص الأرباح ولا نستطيع إلقاء اللائمة عليها نحو مدى المساهمة في الهمّ الوطني دون الدخول في جدل يبدأ ولا ينتهي حول التعريفات والمحددات لما يمثله العمل الوطني من غيره .


قد يكون النموذج قد طُرحَ سابقا ولكنه ربما افتقد لآليات الوصول لغاياته في مباشرة اهتمامات المواطن وتخليصه من الهموم الأساسية التي تتعلق بإصلاح وضعه اليومي الملّح في موضوعات كالإسكان والوظائف والقوة الشرائية للعملة ، حتى الآن قدمت تجربة الجمعيات التعاونية في المملكة العربية السعودية منجزاً ضعيفاً وهشاً لا تتفق مع مشاريع وأهداف طموحة للدولة كان عليها لزاما أن تسير قدما بها ، وربما يهمنا أن نتوجه بالحلول بدلا من البكاء على الأطلال.


يقوم النموذج المطروح في هذا المقال (انظر المخطط المرفق) على تمويل المواطنين من صناديق الإقراض الحكومية العقارية والصناعية والزراعية والتسليف والاستثمارات العامة وغيرها وتأسيس شركات مساهمة تملك الدولة فيها مايقرب من 30% تعمل في مجال الإنشاءات المدنية ومجال إدارة وصيانة العقارات التجارية والسكنية ، ومجال استيراد وتجارة الجملة والتجزئة للمواد التموينية والاستهلاكية ، ويتكون مجلس إدارتها الأعلى من ممثلين لعدد من الوزارات والدوائر الحكومية بنسبة 30% من الأعضاء ويرأسها مرشح ملم ومتفرغ للعمل في رئاسة مجلس الإدارة مع فريق من الأكفاء المتفرغين ، وأما بقية الأعضاء فهم ممثلين لمجالس إدارات الجمعيات التعاونية المنبثقة من مجالس الأحياء ويمثلون الــ 70% الباقية من الملاك وهم المواطنين.


مشاريع الإسكان التعاوني والمرافق : تقوم وحدات العمل الاستراتيجية المنبثقة عن الشركة الأم ببناء المجمعات والوحدات السكنية المختلفة والمرافق المدنية لها ، وتوزيعها على المستفيدين من المواطنين ومجالس الأحياء بشكل آلي كل بحسب موقعه وتحصل على الأراضي من الدولة وبطريق الشراء المخفض (إيجار طويل 50-100 سنة) وتسد الحاجة الآنية والملحة للسكان ، وتعتمد على حماية الأجور وحماية الوظائف للمواطنين وتستعين في الحالات الاستثنائية بالعمالة الأجنبية المؤقتة التي تغادر البلاد فور انتهاء المشروع الذي استقدموا له تحت رقابة وزارة العمل ووزارة الداخلية. 


مشاريع إدارة المرافق: وتؤسس وحدات عمل استراتيجية تقوم بتشغيل وإدارة وصيانة المرافق التابعة للشركة الأم وجباية الموارد وحماية أمن وسلامة المرافق من سوء الاستعمال والاستغلال ، وينطبق عليها أيضا حماية حق المواطن في العمل والوظيفة والأجر.


مشاريع استيراد وتجارة المواد التموينية والاستهلاكية: وتؤسس في كافة الأحياء وحدات العمل الاستراتيجية المختصة بتجارة المواد التموينية والاستهلاكية لتوفير حاجات المواطنين بأسعار منافسة وتوفير وظائف للمواطنين ذات أجور مجزية تتناسب مع متطلبات الحياة وينطبق عليها أيضا حماية حق المواطن في العمل والوظيفة والأجر المناسب.


هذه الصيغة هي أقرب صيغة للخروج من مرحلة التعثر وربما الحجب الذي يمارسه منافسوا الجمعيات التعاونية من الكيانات العملاقة التي تعمل في مجال المقاولات والإنشاءات واستيراد وتجارة المواد التموينية والاستهلاكية والتي تخشى عواقب المنافسة ، والذي يمكن دعوتهم لاقتطاع نسبة امتياز تملك 20% من أسهم كيانات الجمعيات التعاونية أو الاندماج لتخفيض نسبة المخاطر عليهم ، وعلى العموم فهذا مقترح يشكل نواة تكون يد يمنى للدولة في مناولة المشاريع المدنية ويبنى عليه تحقيق المنافع المتبادلة من إرساء مضامين وتحقيق خلق الوظائف ومعايير الجودة وخفض التكلفة وسرعة الإنجاز والتعبئة اللازمة لنجاح المشاريع بالمشاركة والتضامن ، وهو قابل للتطوير ليحتوي مبادرات خصخصة المرافق العامة وسيقدم تجربة عظيمة تفتخر بها بلادنا بين الأمم في التحضر والبناء الاجتماعي ، وماستوفره هذه الكيانات العملاقة من خلق للتجربة الوطنية الفنية والمهارية وتطوير لسوق العمل السعودي لتزدان فسيفيساء الوطن بالتشكل والتنوع والرخاء الوظيفي والمعيشي وإثراء الحس الوطني والتكافل الاجتماعي والبناء الحضاري اللائق بدولة الإسلام وأرض الحرمين الشريفين .


نحتاج لشجاعة مواجهة مخاوفنا وتحدياتنا القائمة حتى نتخطى هذه العثرة التي تعد "شبر ماء" لا يحسن بنا الغرق فيه أطول من ذلك...!


Monday, 26 July 2010

لثــــــــــــــــــــــم الأثــــداء



إقرار وشهـــادة بنبوة المصطفى المحمود محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وبرسالته الخاتمة إلى الثقلين ، فهذا ديني وعليه معتقدي ، وأشهد أنه المعصوم من بين بني البشر كما عصم الله جل علاه أنبياءه ورسله وخصهم بذلك حتى يبلغوا رسالته دون زيادة أو نقص وليس للتفوق دون بقية البشر بذكاء أو سواه ، وعصمتهم كانت في هذا الأمر وهو البلاغ .


أما من سواهم من الناس وإن جلت مكانتهم وعظمت رتبتهم في العلم أو المكانة فليسوا موضع العصمة وكلامهم يؤخذ منه ويرد عليهم ، وهو دين أدين به كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة.


ورضاع الكبير هو نص في السنة المطهرة جاء في سياق الأبناء بالتبني وما كان لهم من مزايا تصلهم بما لم يتصل به دم أو نسب قبل التشريع الإسلامي ، فجاء الإسلام ليمحو كل ما التبس حتى لايدوم ويستمر ، كما قال تعالى"ادعوهم لآبائهم" فحرم عليهم مايحل لأبناء الدم وما التحق بنسب ، وأبقى لهم أن يوصى لهم من الإرث حتى الثلث والثلث كثير.


والحديث عن قصة سالم مولى أبي حذيفة وأمه سهلة ، فمراده أنه ابنها وربيبها وابن أبي حذيفة رضي الله عنهم بالفراش ، ولا يعرف له أب ، فدعي "سالم مولى أبي حذيفة" وليس مثل زيد بن حارثة ، لأن أهله وعشيرته تُعرف ودعي لأبيه حارثة بعد أن كان يدعى زيد بن محمد.


فلما قارب سالم سن البلوغ وهو لايزال صغيرا كره أبو حذيفة أن لايحتجب عن زوجته مما يحتجب عنه غير الولد من الصغار ، فحدثت سهلة النبي وهو يعلم سنه وشانه مع أمه وأبيه فإذن لها بإرضاعه حتى ينجلي بذلك ماتخضرم بين العهدين.


وكنّ نساء النبي يهبن هذا الأمر ، ولهن من الأقارب من ناهز سن الرضاع وليس بمحرم ولم يرضعنه حتى يبقى لهن محرم إذا بلغ ، كل ذلك مما يدل على الخصوصية لسالم ، وإلا فهن أولى به من غيرهم لو صح ما يتداوله بعض طلبة العلم اليوم.


وإن كانت المناهج المختلفة لطلبة العلم في الترجيح واستنباط الأحكام هي التي فرضت على بعضهم قبول بعض الآراء مثل حجية النص وعدم ثبوت الخصوصية في المسألة ، فهي لاتنطبق على مقولة "إرضاع الكبير الذي تجاوز البلوغ" ومايتندر به البعض عن لثم الأثداء للزميلات في العمل أو غيره وغدت دعابة لا تصح من مسلم على السنة النبوية المطهرة ، وليست مقصد العلماء في اختلافهم إلا من صرح برأي سفيه فقد انتقص من مكانة نفسه فنسف هيبته وجلاله.


وأما مايدور من استهزاء بالقائلين بتلك المقولة من جواز إرضاع للكبير البالغ سواء في الإعلام الغربي أو سواه ، فهو أمر من الشأن الإعلامي الساخر على الغريب من الأقوال ويستحق أن يسخر به ، ويأتي ضمن اختلاف التوجهات السياسية وتصيد الأخطاء على الأخصام ، وعسى أن يبوء بإثمه من أثار اللبس واللغط وحسبه الله.


وددت مشاركتكم بالتوضيح في هذه المسالة حتى لا يستهان بالنص ولا بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين سادتنا الأبرار الذين صحبوا السيد المختار صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الأخيار أزكى الصلاة وأتم التسليم.


نفعنا الله وإياكم بما علمنا ،،،،

الخميس 8 يوليو تموز 2010

Sunday, 25 July 2010

تجفيف منابع العملة الواحدة


لعله من الجدل العقيم الخوض في من الأشمل اصطلاحا أن يأتي ، الإرهاب تحت الفساد ، أم الفساد تحت الإرهاب ، ولكن الخلاصة أننا نتفق كليا على أنهما وجهان لعملة واحدة تقض مضاجعنا وتؤثر على استقرارنا وتنمية الأجيال من بعدنا ، تقفان على جبهة واحدة ضد تعبئة الهمم والشباب نحو التنمية والبناء وانصرافهم عن النجاح والحضارة إلى الدمار وإهلاك الحرث والنسل.

لا شك في أن آنية مكافحة الإرهاب تملك الأولوية ولكنها لا تقصي أهمية تجفيف منابع الفساد حيث أنها تصب في نفس الرافد الذي يرتوي من هدم القيم المعتبرة للبناء والتنمية والإعمار. والعبرة بالإجماع في المجتمعات المتحضرة على تصنيف ونبذ الفساد لما له من أضرار تنسف العزائم والهمم ومبدأ الجدارة بنفس الوزن والقيمة التي تنبذ الإرهاب لما له من أضرار تنسف وتهدم ماتبنيه العزائم والهمم ومبدأ الجدارة  ، ومن الواضح بدون لبس ولا غموض الارتباط بينهما بشكل بديهي ومسلم به ذهنيا في العقل الجمعي والمنطق الفكري المعتمد في التخطيط الاستراتيجي والعملي.


لعل من أول الأمثلة على ذلك التراخي في تحمل المسئولية الاجتماعية التي تلحق بكل منا في ترقية مفهوم الجدارة والاستحقاق وتصنيف الطمع والجشع ، بل على العكس فإننا نقوم بتغيير المسميات ونسمي الجشع طموح ونسمي الحسد حقوق ، ونشجع الجميع دون استثناء وبدون وعي للتطلع نحو التمتع بمستويات رفاهية عالية دون النظر لمبدأ الاستحقاق وطريقة الوصول للهدف ومبدأ الاختيار ، لأننا نزدري مستويات وطابع الحياة المتواضع والمتوسط ونزري بالجهد والكفاح ولا نقدره ، حتى أصبح حالنا "عبد الدينار".

لا حصر لأمثلة الفساد الذي روجنا له دون وعي وقصد ، فالتستر والإتجار غير المشروع هو من مظاهر الفساد التي نتجاوزها كل يوم رغم ما وصل بنا الحال من تسبب ذلك في تدني المعايير وإنكار المنكر ، وتدني الأجور وتدني الإنتاجية والأداء على كافة الصعد. هل المشكلة في طمع المتسترين للإثراء غير المشروع؟ أم ثغرات الأنظمة والرقابة؟ أم مساهمتنا اجتماعيا في تبني نموذج حياة الثراء والرفاهية؟ أم تقصير أطراف معينة في لعب الدور والدور الرافد؟

ما تركه تفشي الفساد بأشكاله المختلفة من آثار كبيرة تساهم بشكل ضاغط على تدني مستويات القيم والمباديء والمحاسبة بدء من الأداء الأبوي في الأسرة مرورا بالدور الوظيفي والاجتماعي وشاملا لكل الواجبات الوطنية على الأفراد باختلاف مستويات التمثيل لشخصياتهم الاعتبارية والأدوار المناطة بهم ، وهو إنذار خطر لما يتطور بشكل خفي ليهدم ما بناه أباءنا بالدم والعرق من نهضة وتعمير لهذا الوطن.

أتساءل كثيرا عن حجم مساهماتنا في رسم مسارات وسلوكيات النجاح التي تكرس احترام القانون والأنظمة والجهد الفردي في بناء الوطن والمسئولية عن ذلك والمحاسبة عليها ، والنظر للواجبات باعتبار موازي للحقوق وكل بحسب موقعه ، أتساءل عن مبدأ تقدير وتعزيز الجهد والكفاح في الحياة فلا أرى إلا أنانية مطبقة وجشع غادر يغذيه الحسد وتهميش للواجبات والمباديء التي أقرتها 8 آلاف عام من التاريخ البشري للحضارة.

هل نحن بحاجة ماسة لتوضيح هذه المعاني في مفردات مادة التربية الوطنية في المناهج الدراسية المدرسية؟ هل سنتمكن من إبراز الدور الوطني وتوظيفه في قيم البقاء والاستقرار والأمن الاجتماعي وتطور نظرية الأخلاق كحلقة متصلة في سلسلة الأمن الاجتماعي والأمن الفكري؟

نحن نسير بشكل مغاير ومعاكس لمسارات الترقي والتحضر عندما نهمل ملف الفساد ونهمل ملف الجدارة وتقدير الكفاح وتقدير اختلاف المستويات المعيشية والاختيارات في الحياة. أكاد أجزم بأن الجميع من شبابنا يتطلع لسكنى القصور وامتلاك السيارات الفارهة وقضاء العطلات في عواصم أوروبا ، وأنا لا أصادر هذا الحق في التطلع والطموح ولكن هل هذا ممكن لكافة المواطنين؟ وهل نحن سواء في الهمة والعزيمة والجدارة؟ أم نحن نسوق المجتمع وندفعه دفعا نحو تبني الفساد وعبادة الدينار؟ ثم ما هو مصير من لم يتمكن من تحقيق ذلك؟ هل له من التقدير على جهده وكفاحه أي نصيب؟ ما مصير من يريد مسكنا يؤيه وسيارة متواضعة وصيفا في الأرياف؟ هل احترمنا اجتماعيا اختياراته؟ هل نقدر ذلك أم نحتقره؟

لماذا انفجرت فجأة مشكلة الإسكان ؟ هل اعترفنا بأن لدينا مشكلة تتفاقم يوما بعد يوم في موضوع السكن؟ ماهو مقدار الارتباط بينها وبين مسارات النجاح والفساد؟ هل عكفنا على إيجاد الحلول العاجلة لها؟ والحلول المستقبلية لها؟ والحلول الوقائية من تكرارها؟ هل سألنا أنفسنا ماهو حجم مساهمة أصحاب الثراء منا في تفاقم هذه المشكلات؟ هل أصبحت أنانيتنا كرؤوس أموال تتضاعف ثرواتنا من خيرات الوطن ونلقي باللائمة على الدولة في تحمل تحديات ومشكلات مشاريع التنمية وكأنما تضاعفت أموالنا من استثمارات في كوكب آخر وليست من خير هذا الوطن ؟ فأين شكر الله وأين شكر الوطن والوفاء له ولأبنائه ؟ هل تساءلنا عن الامتيازات التي نحظى بها هل كانت حق إلهي منح لنا؟ أم أنها مترافقة مع واجبات ومسئوليات يعد التخلي عنها سلوك لا يليق وعبث لا يغتفر؟ ألم ينزل الله على قارون عقابا في هذا بالذات؟ هل نحن بانتظار أن تسن القوانين وتكرس الأعراف حتى تنهانا عن الأنانية والقارونية فنصبح مجبرين غير مختارين ؟

هل دلس علينا الشيطان حتى غابت عنا هذه البديهيات ؟ وهل أزرى بنا الوهم في " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي" إلى هذا الوضع أن ندافع الوهم بتبيان المسلمات الأدبية والقانونية والوطنية والدينية؟ ألا يكفينا القرآن الكريم الذي غلظ في باب المسئولية الاجتماعية في سياق قصة قارون "إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ".

أين الأوقاف والمسئولية الاجتماعية؟ وننظر للمساهمات اليتيمة من هنا أو هناك ونعظمها كأنما هي فضل أو كرم ، في حين أنها واجب مستحق وحق مستوجب ، أم أن هذا أمر على الدولة أن تسطره كبند إلزامي ظاهر في العقود لتوضيح نطاق المصلحة الوطنية والمسئولية الدينية والمنطق الاجتماعي؟؟


نتشدق بالمسئولية الاجتماعية كأنما هي فضل ومنة على الدولة وعلى المجتمع ونتناسى كسر الرقاب كأنما امتلاك الثروة وحبسها عن الناس هو الفضل وهو الفخر وهو رمز الشرف والسمو ، كيف تنقلب الموازين بحيث يكرم المسيء المقصر، ويهمش صاحب الشرف ويلام على شرفه وعفافه ، ألا نعتبر من قوله تعالى " وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" ، ألا نهمّ ونبادر ونتسابق على القيام بالواجب الذي لما تركناه أصابنا في أكبادنا أم ننتظر حتى يصيبنا في أكثر من ذلك ، هل ننتظر خسفا أم أننا لانعتبر مما أصاب شبابنا وبناتنا من انصراف عن المعالي والعفة والسمو  وتوجههم نحو السعي وراء المظاهر الخادعة  والتفوق الكاذب والتفاخر بما لا فخر فيه ، حتى تردى إنتاجنا الاجتماعي والعلمي والثقافي والأدبي والفني ؟ أليست عبرة كالخسف؟ أم على قلوبهم أكنة أن يفقهوه؟