فلسفة (الإقرار الضريبي): لا شك في ضرورة وأهمية قيم النزاهة وبراءة الذمة
وخصوصا في المال العام وبراءة الجهاز الحكومي ومرافق الدولة من شبهة الفساد أو
السكوت عنه وبالتالي مصداقية قيم العدالة وتشجيع الأنشطة المشروعة والكسب المشروع ومكافحة كل كسب غير مشروع أو تحايل أو تآمر على
الأموال العامة والثروات الوطنية ، بالإضافة إلى أن هذه القيم تدعمها الشريعة
الإسلامية وجرت في الدولة الإسلامية منذ العهد النبوي لجباية الزكاة وصرفها
بالطريقة التي نص عليها الشرع الإسلامي ، وفيما بعد الخراج والضرائب التي شكلت دخل
الدولة الأهم ، وأصبحت دواوين (أجهزة حكومية) لها أنظمة فاعلة طورها البشر عبر
التاريخ لضمان تدفق الدخل لتمويل أعمال الدولة وخدمات الشعب ، ولسلامة ذمم
القائمين على الأموال والمكلفين بخدمة الرعية وبراءة الدولة من فساد بعض المنتسبين
لها ومحاسبتهم واسترداد الحقوق حتى لا يتشجع من يأمن المحاسبة ويتمادى في أكل حقوق
الدولة والشعب. مما جعل (الإقرار الضريبي) عرف وقناعة مستقرة لحفظ عدة منافع
بإجراء موحد يخضع له جميع الشعب يتسم بالشفافية ويعين الدولة على تطبيق العدالة
ومنع الإفلات من الجريمة.
ارتباط (الإقرار الضريبي) بالزكاة : معلوم أن زكاة الأموال هي ركن من
أركان الإسلام وبسطت له الشريعة مباحث غزيرة تغني عن بحثها هنا ، وهي تلزم كل مكلف
من ذكر وأنثى تنطبق عليه شروط أهلية المال للزكاة في الإسلام (الوعاء الزكوي) من
نوع المال وحجمه والأنصبة المختلفة ، وللحاكم جباية الزكاة لتمويل أعمال الدولة ولتقنين
مصارف الزكاة أيضا ، وتأتي أهمية (الإقرار الضريبي) للزكاة كتسليم بنزاهة وعدالة
الفرد بإفصاحه الشخصي عن مداخيله وممتلكاته لتحديد (الوعاء الزكوي) ورسم الزكاة
الخاضع له ، كما أنه تعهد منه بسلامة البيانات الواردة من الغش أو التدليس أو
تضييع الحق الزكوي في أمواله.
ارتباط (الإقرار الضريبي) بنظام الجباية والضرائب: تختلف أحوال الدول
من فترة لأخرى من حيث توفر موارد الدخل والمال والفائض أو عجز موارد الدخل عن
الوفاء بالإلتزامات الضرورية لتسيير أعمال الدولة ، وذلك يخضع لفترات من الانتعاش
والركود ، ويتحتم على الدولة أحيانا فرض رسوم على مستويات الدخل أو بعض الخدمات الحكومية
لسد العجز في المصروفات ، كما تختلف الدول في ملكية الثروات الوطنية أو ملكية
الشعب لهذه الثروات ، وعليه فالدولة التي تملك الموارد والثروات يتوفر لها في
الغالب دخل يغنيها عن فرض الرسوم والضرائب ، وتقوم بتمويل ذاتها للقيام بالخدمات
وتوفيرها للشعب دون استقطاع رسوم تذكر ، ولكن يبقى (الإقرار الضريبي) ضروري لمنع (الإثراء
غير المشروع) ولمكافحة توظيف المال العام في الشئون الخاصة أو الانفراد بذلك دون
الدولة والشعب. وأما الدول التي تختار عدم امتلاك الثروة نسبيا والخروج من حراسة
الأموال إلى شئون أوسع من ذلك المفهوم ، فهي تقوم بالتوزيع العادل للثروة بين
الشعب حسب أنظمتها الخاصة بذلك مع ضمان تأسيس نظام جباية قوي يمكنها من تحصيل الأموال
اللازمة بشكل سنوي لأعمالها وخدماتها ، ويأتي (الإقرار الضريبي) هنا لتأكيد إلتزام
المواطن بالنزاهة والكسب المشروع والخضوع لنظام الجباية بكل شفافية ووضوح.
مصلحة الزكاة والدخل و(الإقرار الضريبي): مصلحة الزكاة والدخل لدينا
يتوفر لها نظام متقدم يمكن البناء عليه لتطوير نظام الدخل والجباية وبالطبع نظام (الإقرار
الضريبي) السنوي الذي يتم بموجبه تحديد (الوعاء الضريبي/الزكوي) الذي يخضع له
الفرد والمنشأة والنشاط ، وأهلية هذا الوعاء للجباية أو اعفاءه منها. ويتطلب لذلك
عدة شروط تلزم أي جهاز رقابي ، منها: استقلال الجهاز القائم بنشاط الدولة المختص
بذلك عن الجهاز الحكومي استقلال مشابه لديوان المراقبة العامة بحيث يتصل مباشرة
بالملك نظرا لتضارب المصالح ، وأيضا أن يتوفر له نظام إجرائي وقضائي وسلطات غير
قابلة للنقض في الجباية والرقابة والتحقق والملاحقة القضائية والاسترداد والعقاب ، بالإضافة إلى متانة سجلاته وبعدها عن الاختراق
أو التلصص مع أعلى معايير التعقيد في الخصوصية والأمان وحدود صلاحيات الإطلاع والتفتيش
التي تضمن بقاء سرية المعلومات الخاصة بكل الأفراد بعيدة عن متناول الجميع..!
No comments:
Post a Comment