Thursday 12 December 2013

هدم الفساد أم هدم المؤسسة

نعيش حالة من دعاية الشعارات وتزوير المصطلحات حتى اختلط على الناس اليقين بالشك ، والبديهي بالخرافة ، فترى البعض يناصر فئة ما لما يتمتعون به من خطاب حماسي يلوي أعناق النصوص الشرعية ويتلاعب بمقاربات خاطئة ومنطق أعوج ويتحايل بأماني الناس وأحلامهم ويغني على جراحهم مآسيهم  ليقلب المفاهيم ويشوه الحقيقة ويوهم الناس بالوعود الكاذبة في الدنيا والآخرة ، لا يروعي مخافة الله ولا مايقترف في حق البلاد والعباد من آثام وتعطيل لحياتهم وشغلهم بما لا طائل منه.

وهذا مصاب جلل يغشى العالم العربي والإسلامي اليوم وآخذ في الانتشار والاستشراء كالنار في الحطب ، وحقيقة تفرض نفسها رغم قباحتها وسوءها ، أخذت مكانها وغرست فتنتها ، فهذا لفيف من السنّة والشيعة والدروز والموارنة والأرمن والأرثوذكس في لبنان يناصرون حزب الله اللبناني ويتبنون مواقفه ، يعادون من يعاديه ويصالحون من يصالحه ساعين وراء شعار يسمى (المقاومة) تارة و(الممانعة) تارة أخرى ، خَدع به الحزب الناس واستحوذ على السلاح بتواطؤ النظام السوري المجرم الذي احتل لبنان حتى قريب وعاث فيها فسادا وخرابا في الأموال والأنفس والأعراض بمعاونة حزب الله وأعوانه الذي وجدوا في الدعم السوري دعاية جديدة لهم يجددون به الدعوة لتجديد البيعة وتسليم العقول ، والاشتراك في جريمة تعطيل مؤسسات الدولة في لبنان وإرهاب الناس ، والآن يمارسون قتل الشعب السوري الأعزل وتخريب وطنه ومقدراته ، وهذا شبيه من حيث الطبيعة لما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس من حراك ميداني يومي لكسر هيبة الدولة وهدم أركان المؤسسة ، استلبوا عقول الشباب والفتيات والراشدين والقصّر وقدموهم قرابين ليضحوا بهم في السجون ، وقتلى في المواجهات مع الجهات الأمنية.

ترى كيف تمت هذه البرمجة الفكرية للعقول البريئة من كافة الطوائف ؟ كيف لعاقل أن يقف مع مجرم ينتهك حرمة (مؤسسة الدولة) المقصود بها (الكيان الوطني وليس النظام الحاكم) وكياناتها وكوادر الوظائف والخدمات من مستشفيات ومدارس وأجور وموظفين وخدمات بلدية وأمنية؟

هذا هو الأثر الذي يخلقه (التشويش) باستخدام عبارات ومفردات ومصطلحات الحق والعدالة والحرية والحقوق في سياقات ملتوية لتخدم الشر والفساد والقتل والأسر الفكري والاستحواذ على الثروات الوطنية والمغالبة بالسلاح المادي وغيره من الأسلحة. 

هذا (التشويش) المركز والمعقد جدا يستخدمه أساطين الفساد وأربابه يتكسبون به لتلميع صورتهم وتشويه صورة أصحاب الحق الأبرياء المعتدى على حقوقهم ، فيبدو (المعتدي بريئا والضحية مجرما) ، ويتم تغذية هذا التشويش بشكل مستمر وتحويله من شكل إلى آخر حتى يصبح مسارا معتادا ونمط فكري رائج في التصنيف (والتنميط) تتعطل به منهجية التفكير وتعوق مبادرات الإصلاح ومشروعيتها ويقفز بالإنسان من تفكيك الفساد وحلول محاربة الفساد ، إلى الانخراط في التعبئة المضللة والدعاية الزائفة والدفاع عنها.

الإسلام السياسي السني والشيعي هو مولود من مواليد القرن العشرين يهدف إلى تهميش شركاء العقيدة والوطن وتخوينهم ، وتأليب الناس وتجنيد الأنصار ضدهم ، وعزل الأنصار عن مجتمعهم ومقاصد دينهم الجلية الوضوح وتجريدهم من انتمائهم البشري والوطني والعقلاني ، وبرمجة العقول بمعتقدات جديدة مخترعة تضع هؤلاء الفسدة المفسدين الضالين المضلين في مصاف الملائكة والأنبياء والأصفياء والصديقين والقديسين ، رغم الوضوح الظاهر في كذب الدعوى وفسادها وخطورتها على الفرد والمجتمع ، وعلى المنجز الذي حققته المجتمعات العربية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية من استقلال هو الأول في التاريخ منذ الخلافة الراشدة ، رغم ما اعتراها من تسلط واستبداد وطغيان الأنظمة الحاكمة وطغيانها الذي أنتج (الربيع العربي) الذي وجد في أكذوبة (الإسلام السياسي) مبتغاه لانتهاز الفرصة التاريخية لاختطاف (الربيع العربي) وادعاء تحقيقه وإنجازه زورا وبهتانا للبدء في دورة جديدة من الطغيان والفرعنة والاستبداد والظلم .

لا شك أن هناك بيئة وسانحة تاريخية مهدت لتقبل البعض منا لهذه الشعارات الكاذبة والدعاية المزيفة للإسلام السياسي السني والشيعي ، وتتمثل في تطلعات الشعوب العربية والإسلامية وطموحاتها لتحقيق الذات وإثبات الهوية عقب قرون طويلة من استبداد المستعمر والمستبد ، مما سهل ارتداد وتراجع فكري عند العرب والمسلمين محوره التشكيك في الهوية وقيمة الذات وواقع التأخر الحضاري ، إضافة إلى انعتاق المسلمين من الصوفية السنية والشيعية ووقوعهم فريسة للتطرف السني والتطرف الصفوي ، مما سوغ للمسلم التصاقه بفقهاء وملالي (الإسلام السياسي) ومحاباتهم وتفضيل ضلالهم على قيمة المفكر المستقل البعيد عن العلوم الشرعية التي لا يحتاجها المستقلون في طرح التجديد والحداثة والرقي الفكري فهي ليست موضوعات شرعية بالأساس ، وأثر تأخر النضج الفكري عند المسلمين في إمكانية احتجازهم في أزمة ومأزق الهوية والدين وتعلقوا بها ولم يتمكنوا من تجاوزها ، والعبور نحو الثقة بأنفسهم وتاريخهم وحاضرهم الذي بقي معهم بعقيدة وشرع ممارس ، فأدى إلى المزيد من الالتصاق بأبواق الطرح الديني المستمر بشكل دائم في الخطاب والدعاية والتصنيف وتسويغ وتشريع الاعتداء على النفس والمال والأعمال العسكرية والحربية ، وهو ما احتاجه أرباب (الإسلام السياسي) السني والشيعي ليحفروا مكانتهم في العقول قبل القلوب ، تارة بشكل مباشر أو بشكل أداة يدفعها السياسي الفاسد المستبد صاحب السلطة لمقاومة الطرح الفكري بالمناظرة الفقهية ليضمن لنفسه الحياد وإبعاد النظر عنه والتهرب من المسئولية عن مآل الأمور.

من أمثلة (التنميط) مصطلح (الدولة العميقة) المستخدم للتشويش على مبادرات وفكر الإصلاحات ، فرغم أنه من الطبيعي أن يكون للدولة كادر كبير يمثل جسدها الذي يقوم بالخدمة المدنية والعسكرية بكافة أشكالها ، ويهدف حزب الله اللبناني والعراقي وجماعة الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية من هذا التنميط - تشريع إطالة الفترة الزمنية لنضالهم الوهمي ضد الحداثة والاعتدال والإنماء الفكري والحضاري ، ولممارسة العربدة والإجرام وأنشطة الشغب والتخريب لهدم (مؤسسة الدولة) ككل عبر القتل والتخريب والشغب والتحريض وليس عبر الوعي والثقافة والحوار والقنوات الرسمية والمطالبة السلمية التي تم تصنيفها على أنها فساد وكفر وضلال مع أنها ليست إلا أدوات اشتبه على الناس طبيعتها وقبلوا من (الإسلام السياسي) تصنيفها.

 مثال آخر للتنميط هو مصطلح (الانقلاب العسكري) المستخدم للتشويش على الدور البديهي والطبيعة النزيهة للجيوش الوطنية التي تحمي الكيان الوطني (المؤسسة) والتشكيك في شرعية دفاعهم عن الأصول الاستراتيجية للدولة وحماية (المؤسسة) من الانهيار والسقوط.

حمى الجيش المصري والجيش التونسي والجيش اليمني المؤسسة من الانهيار عندما انهار النظام ومنع الأنظمة الفاسدة من توريطه في الانخراط بحمايته أو التماهي معه ، وحافظ على كيان المؤسسة الوطني والكوادر الوظيفية ومقدرات ومنجزات الوطن المتعاقبة حتى لو كانت هزيلة ، وحمى الثروات الوطنية من التعدي والحدود من الاعتداء ، وسلم القيادة للسلطات المدنية بمجرد وصول مرشح رئاسي لسلطة الحكم بشكل سلس من أشكال نقل السلطة غير معهود في الوطن العربي.

قام الجيش المصري والتونسي (واليمني بفضل المبادرة الخليجية) بحفظ جسم الدولة وكيانها من العبث والتلاعب والضياع والفوضى (التي حدث مثلها في العراق وليبيا نظرا لانهيار المؤسسة) فهذه غاية وهدف الجيوش البديهية ، العراق وليبيا الآن هما دول تحت التأسيس بل قبل التأسيس إذا جاز لي التعبير ، وسوريا هي مشروع ليبوي جديد على الأغلب.

محاربة الفساد وفضح المفسدين لايرتبط أبدا بهدم الدولة ، والإصلاح عموما ليس مهمة سهلة ويسيرة بل هو جهد ذهني فوق المعتاد وعمل دؤوب مرهق وحوار صادق شفاف ، لكن ثماره مهمة جدا والتخلي عنه خسارة باهظة على الأفراد والمجتمعات والأوطان ، والتفريق بينهما ضرورة عقلية ولازمة منطقية لايمكن تجاوزها ولا المرور بها مرور الكرام.

المطالبة والاهتمام بدور الدولة في عملية الإصلاح لضمان الاستقرار للكيان وحفظ المقدرات والمنجزات من الخراب والهدم وتقديم مصلحة المؤسسة على مصالح الأفراد في حال التعارض ، هو واجب ديني ووطني وأخلاقي وأدبي وعقلاني بديهي ، ومؤسسة الدولة ليست هيئة ابتدائية تفتقد الموارد وتحتاج إلى دعم النافذين وأصحاب الأموال بل العكس فهي التي تملك الموارد والكوادر وتتمتع بالشرعية ، والإصلاحات تحتاج إلى وعي يحاصر الفكر الفاسد والمتمصلحين من بقاء الفساد سواء في جسم الدولة وكوادرها أو في السوق والقطاع الخاص من ملاك الامتيازات والاحتكارات ، ومن الطبيعي تحالف الطرفين (الذين في جسم الدولة والذين في خارجها) لتغذية (التشويش) وتنصيب (السقوف الزجاجية) التي تحمي بقاء الفساد وتناميه بشكل لائق ومقبول اجتماعيا يرتدي قناع مصلحة الوطن والمواطن والسخرية من الإصلاحات وتهميشها ، وهذان الطرفان هما على نفس القدر من خطورة أرباب (الإسلام السياسي) بل هما يتنافسان الخطورة ويتبارازان عليها.

اتهام النظام السياسي ومسئوليته عن الفساد ليست الحل حتى لو كانت تهمة ثابتة ، ليس لتبرئة النظم السياسية ولكن لعدم جدوى الاتهام في عملية صناعة الحل وإنجاز النتائج ،  فبخروج حسني مبارك وعلي صالح وصدام ومعمر القذافي من السلطة بقي الحال كما هو بل ازداد سوء لسبب بسيط جدا ، هو بقاء الامتيازات والاحتكارات ورؤوس أموال الفساد الذين يحرزون مكاسب جديدة وسيكون شركاء في بناء سلطة فاسدة جديدة .

الأولى تعزيز استقرار مؤسسة الدولة بالوعي الشعبي العقلاني والمنطقي والإنكار السلمي لمحاربة الفساد حتى يكون الفساد وكياناته هو العدو المشترك للدولة والشعب  ، ونبذ دعوى الإسلام السياسي أو تبعية الرأسمالية وتصنيف الفساد صغيرا كان أو عظيما.

الرياض 

Tuesday 3 December 2013

نظرية الأبعاد الثقافية



نظرا لما تحمله هذه النظرية من سبر عميق في الفهم المنهجي العلمي لأنماط وسلوك التجمعات البشرية ، ونظرا لما قد يعتريها من غموض ليس من طبيعتها فقد رأيت أن أعيد تقديمها بشكل أكثر وضوحا ليستفيد منها المهتم بموضوعها ، وقد سبق أن نشرت سلسلة تغريدات باللغة الانجليزية عن الموضوع وهذا المحتوى للقاريء العربي ، وسأتجنب الإطالة التي لايحتاجها القاريء من دراسة تاريخها ونشأتها.


صاحب النظرية هو البروفسور الهولندي جيرت هوفستد عالم انثروبولوجيا وعلم نفس اجتماعي أضاف إضافة ثمينة في "مناهج التحليل" وتطوير "أدوات التأثير" القياسية المتعددة الأبعاد في المجموعات البشرية. درس البروفسور جيرت "آثار تفاعل القوى المختلفة" التي تشكل "ثقافات الشعوب والأمم" وتفسر تباينها في قبول ورفض الظواهر المختلفة. فخرج بنظرية (الأبعاد الثقافية للتجمعات البشرية) كإطار تقييم منهجي للفروق بين الأمم والثقافات. 


وتقوم نظريته على فكرة أنه يمكن توزيع القيمة الاجتماعية على ستة أبعاد ثقافية تقاس بمؤشر في كل بعد من الأبعاد: مؤشر (السلطوية مقابل محدودية السلطة)، مؤشر (الجماعية مقابل الفردية)، مؤشر (تجنب عدم اليقين في مقابل قبول عدم اليقين)، مؤشر (مستوى نمط الذكورة في مقابل الأنوثة)، مؤشر (التوجه الزماني البعيد المدى مقابل القصير المدى) ، وأخيرا مؤشر (تقدير السرور والبهجة في مقابل تقييد السرور والبهجة). 


الأول مؤشر (السلطوية مقابل محدودية السلطة) هو المسافة من السلطة ويكمن في قبول أعضاء المجتمع الأقل سلطة للأعضاء الأكثر سلطة. ويقاس هذا البعد من مستوى توزيع السلطة في ثقافة معينة، وكيف يرى أعضائها المساواة وانطباعهم عن الشكل الهرمي. 


الثاني مؤشر (الفردية مقابل الجماعية) الدرجة التي يتكامل الأفراد إلى مجموعات ، والأهمية لتحقيق أهداف شخصية في المجتمع الجمعي، وفسلفة أهداف المجتمع لرفاه أكبر للأفراد. 


الثالث مؤشر (تجنب عدم اليقين والغموض) هذا البعد يقيس كيف تتعامل المجتمعات مع حالات الغموض وعدم اليقين والأحداث غير المتوقعة والقلق من التغيير.المؤشر المرتفع يدل أن المجتمع أقل تسامحا في التغيير ويميل إلى تحويل القلق حول المجهول من خلال خلق قواعد ولوائح ولقوانين صارمة وبيروقراطية. وفي المجتمعات ذات مؤشر منخفض تكون أكثر انفتاحا للتغيير، والقواعد والقوانين والمبادئ تكون بالصيغة التوجيهية وأكثر مرونة. 


الرابع مؤشر نمط (الذكورة مقابل الأنوثة) يقيس المؤشر مستوى شيوع القوالب النمطية لفكر الذكر مثل القيم والثقة والطاقة والطموح والمادية، في مقابل شيوع الصور النمطية الأنثوية مثل التركيز على العلاقات بالآخرين والانتماء وتقديم التنازلات والتعايش بدل المواجهات. درجات المؤشر العالية في مقياس الذكورة تظهر عموما خلافات أكثر وضوحا بين الجنسين وتميل إلى أن تكون أكثر قدرة على المنافسة والطموح. في المقابل المؤشر بدرجة منخفضة فإن الفروق تكون أقل بين الجنسين والقيمة الأكبر لبناء العلاقات على حساب المنجزات. 


الخامس مؤشر التوجه الزماني (المدى الطويل ضد المدى القصير) يصف هذا المؤشر الأفق الزمني للمجتمع. المؤشر المنخفض يعني أن توجهه الزماني ميال نحو المدى القصير وبالتالي ثقافته موجهة وتعطي قيمة للأساليب التقليدية، والسلطة تأخذ دور في بناء علاقته وميال إلى التعميم ويغفل عن الحاجز الزمني ويرتبط عنده الماضي بالحاضر ، وتصورات ما يمكن القيام به اليوم يمكن أن يكون غدا. أما المؤشر المرتفع فيدل على التوجه بالمدى الطويل وهو يعظم قيمة الزمن والوقت وميال إلى الخطية والتحديد وينظر إلى المستقبل بدلا من الحاضر أو​ الماضي ويعطي اعتبار وقيمة للدافعية والحوافز والمكافآت. 


السادس مؤشر (إظهار السرور والبهجة في مقابل تقييدها) يقيس هذا المؤشر قدرة الثقافة لتلبية الاحتياجات الفورية والرغبات الشخصية لأعضائها ومكانة التعبير عن (السرور والترفيه والمتعة والفرح بين الحاجة والضرورة) أو كونها رفاهية لا يلقي لها المجتمع بالا ، ارتفاع المؤشر يدل على تقدير المجتمع للنجاح والاحتفاء به وتقدير الاحياجات الشخصية والجدارة ، وانخفاض المؤشر يدل على المعايير الاجتماعية الصارمة التي يتم بموجبها تنظيم إشباع الدوافع وتثبيطها.


يقدم الإلمام بهذه النظرية لا على الحصر ، فهم الارتباط مابين الظواهر الاجتماعية والسلوك الفردي والقيمة التقليدية التي درج عليها المجتمع واعتمدها في برمجة الأفراد ، ومنها يمكن لنا أن فهم العوائق التي تقوض أحلام وطموحات الأفراد والمجتمع والتي نتحاشى في أغلب الأحيان المساس بها أو نقدها بدافع أو بتوهم جلالتها وارتباطها بقيم أخرى أكثر قدسية أو كونها امتداد لتلك القيم الأكثر جلالا واعتبارا ، مما يعيق التفاعل الاجتماعي مع "المبادرات دون مساءلة واشتباه" وبالتالي كبح المجتمع في التطلع للتطور وإحراز التقدم . 

Sunday 24 November 2013

آفاق استراتيجيات الدبلوماسية العربية


لاشك أن من أسباب انبلاج #الربيع_العربي هو الفشل السياسي وتراجع الأداء الحكومي في دول المنطقة العربية ، مما مهد لإيران تحقيق المزيد من المكاسب لاستراتيجيات الدبلوماسية الإيرانية في الحد من نجاحات وطموحات الشعوب في المنطقة العربية وخيبة آمالها في همومها وهويتها . يبدو أن أهم محاور هذه الاستراتيجيات ترتكز على المحاور التالية حسب مايظهر من تحليلي المتواضع :


أولا: ابتكرت أنواع متعددة من التحرش أولها التحرش باسرائيل وتهديدها ثم التحرش في تطوير المشروع النووي ، وذلك لخلق جو عام من الإرباك المستمر لإرغام كبار اللاعبين الدوليين للتفاوض معها على مناطق النفوذ والهيمنة السياسية والجغرافية لوجستيا .


ثانيا: استفادت من الفراغ السياسي في المنطقة للتغلغل في عدد من دول المنطقة لتوسيع مساحة هذا الفراغ عبر التلاعب في فعالية الموالين لها التركيبة السكانية لتلك الدول وللمزيد من زعزعة الاستقرار في دول المنطقة .


ثالثا:تسليح الأقليات وإثارة الطامعين في النفوذ والسلطة تحت غطاء المذهب الشيعي.


رابعا:الترويج لنظرية ولاية الفقهاء وإضعاف ولاية الإمام المنتظر عند الشيعة العرب لكسب الولاء الروحي والتضامن مع مخططاهتها ومشاريعها .


بهذه الاستراتيجيات تمكنت الدبلوماسية الإيرانية من خلط الأوراق والتلاعب بالملفات المفتوحة في المنطقة العربية بشكل ضمن لها التفوق النوعي الذي أتاح لها تخطي السياسات العربية وتجاهل كل دول منطقة الشرق الأوسط بمافيها تركيا وباكستان ودول الخليج ، والعمل مع القوى العظمى مباشرة إما بإطار التعاون والتحالف كروسيا والصين أو بإطار التفاوض على الموضوع النووي وأمن اسرائيل مع حلف الأطلسي، فتحققت لها مكاسب كبرى بالسيطرة على مقاليد السياسة في العراق وتدعيم التطهير العرقي ودولة المليشيات ، وتقوم الآن بالتفاوض مع الدول العظمى لاختيار نظام موالي بديل للحليف القديم في سوريا للاحتفاظ بالمكتسبات القديمة.


أعتقد أن هذه القراءة المبسطة تجيب على التساؤل المطروح "لماذا لم تنجح الدبلوماسية العربية في حقن دماء السوريين؟" حيث أن المشروع العربي يتعامل مع مفردات المشروع الإيراني الذي لايزال "يقتات ويحقق مكاسب من الفراغ السياسي" في المنطقة العربية التي فشلت في تكوين تكتلات ذات شأن بدء من مجلس التعاون وانتهاء بجامعة الدول العربية.


لكن يبدو أن هناك ملامح لتحولات استراتيجية في الدبلوماسية السعودية التي يظهر أنها يئست من أمل ولادة هذه التكتلات ، وبدأت تتبنى بناء المؤسسة والكيان بالشكل الذي يعكس التفاعل الفاعل مع التحديات الحاضرة التي تولدت بعد الثورة الإيرانية وليس إيران الشاه ، وربما أن الدبلوماسية السعودية التي سعت لوقت طويل لتفادي المواجهة والتصادم مع إيران الثورة حسب الخط الدائم للدبلوماسية السعودية المسالمة والداعية للتقريب والتعايش بدلا عن المواجهات والتصادم يتضح لها اليوم أنه شر لا بد منه وربما لن يظهر بالشكل المنافي للقيم الأساسية للدبلوماسية السعودية بل سيظهر في شكل المزيد من النشاط الدبلوماسي وطرح المشاريع الأكثر طموحا وتحديا للمشروع التوسعي الإيراني الدموي ، ربما ظهرت هذه الملامح في رفض الانضمام لمجلس الأمن وارتفاع لهجة المطالبة في تطوير وإصلاح المؤسسة الدولية (هيئة الأمم المتحدة) وخصوصا عدد الأعضاء الدائمي العضوية فيها وقد نرى المزيد من هذه الملامح في الغد القريب.

Wednesday 6 March 2013

الإقرار الضريبي وبراءة الذمة المالية


فلسفة (الإقرار الضريبي): لا شك في ضرورة وأهمية قيم النزاهة وبراءة الذمة وخصوصا في المال العام وبراءة الجهاز الحكومي ومرافق الدولة من شبهة الفساد أو السكوت عنه وبالتالي مصداقية قيم العدالة وتشجيع الأنشطة المشروعة والكسب المشروع  ومكافحة كل كسب غير مشروع أو تحايل أو تآمر على الأموال العامة والثروات الوطنية ، بالإضافة إلى أن هذه القيم تدعمها الشريعة الإسلامية وجرت في الدولة الإسلامية منذ العهد النبوي لجباية الزكاة وصرفها بالطريقة التي نص عليها الشرع الإسلامي ، وفيما بعد الخراج والضرائب التي شكلت دخل الدولة الأهم ، وأصبحت دواوين (أجهزة حكومية) لها أنظمة فاعلة طورها البشر عبر التاريخ لضمان تدفق الدخل لتمويل أعمال الدولة وخدمات الشعب ، ولسلامة ذمم القائمين على الأموال والمكلفين بخدمة الرعية وبراءة الدولة من فساد بعض المنتسبين لها ومحاسبتهم واسترداد الحقوق حتى لا يتشجع من يأمن المحاسبة ويتمادى في أكل حقوق الدولة والشعب. مما جعل (الإقرار الضريبي) عرف وقناعة مستقرة لحفظ عدة منافع بإجراء موحد يخضع له جميع الشعب يتسم بالشفافية ويعين الدولة على تطبيق العدالة ومنع الإفلات من الجريمة.

ارتباط (الإقرار الضريبي) بالزكاة : معلوم أن زكاة الأموال هي ركن من أركان الإسلام وبسطت له الشريعة مباحث غزيرة تغني عن بحثها هنا ، وهي تلزم كل مكلف من ذكر وأنثى تنطبق عليه شروط أهلية المال للزكاة في الإسلام (الوعاء الزكوي) من نوع المال وحجمه والأنصبة المختلفة ، وللحاكم جباية الزكاة لتمويل أعمال الدولة ولتقنين مصارف الزكاة أيضا ، وتأتي أهمية (الإقرار الضريبي) للزكاة كتسليم بنزاهة وعدالة الفرد بإفصاحه الشخصي عن مداخيله وممتلكاته لتحديد (الوعاء الزكوي) ورسم الزكاة الخاضع له ، كما أنه تعهد منه بسلامة البيانات الواردة من الغش أو التدليس أو تضييع الحق الزكوي في أمواله.

ارتباط (الإقرار الضريبي) بنظام الجباية والضرائب: تختلف أحوال الدول من فترة لأخرى من حيث توفر موارد الدخل والمال والفائض أو عجز موارد الدخل عن الوفاء بالإلتزامات الضرورية لتسيير أعمال الدولة ، وذلك يخضع لفترات من الانتعاش والركود ، ويتحتم على الدولة أحيانا فرض رسوم على مستويات الدخل أو بعض الخدمات الحكومية لسد العجز في المصروفات ، كما تختلف الدول في ملكية الثروات الوطنية أو ملكية الشعب لهذه الثروات ، وعليه فالدولة التي تملك الموارد والثروات يتوفر لها في الغالب دخل يغنيها عن فرض الرسوم والضرائب ، وتقوم بتمويل ذاتها للقيام بالخدمات وتوفيرها للشعب دون استقطاع رسوم تذكر ، ولكن يبقى (الإقرار الضريبي) ضروري لمنع (الإثراء غير المشروع) ولمكافحة توظيف المال العام في الشئون الخاصة أو الانفراد بذلك دون الدولة والشعب. وأما الدول التي تختار عدم امتلاك الثروة نسبيا والخروج من حراسة الأموال إلى شئون أوسع من ذلك المفهوم ، فهي تقوم بالتوزيع العادل للثروة بين الشعب حسب أنظمتها الخاصة بذلك مع ضمان تأسيس نظام جباية قوي يمكنها من تحصيل الأموال اللازمة بشكل سنوي لأعمالها وخدماتها ، ويأتي (الإقرار الضريبي) هنا لتأكيد إلتزام المواطن بالنزاهة والكسب المشروع والخضوع لنظام الجباية بكل شفافية ووضوح.

مصلحة الزكاة والدخل و(الإقرار الضريبي): مصلحة الزكاة والدخل لدينا يتوفر لها نظام متقدم يمكن البناء عليه لتطوير نظام الدخل والجباية وبالطبع نظام (الإقرار الضريبي) السنوي الذي يتم بموجبه تحديد (الوعاء الضريبي/الزكوي) الذي يخضع له الفرد والمنشأة والنشاط ، وأهلية هذا الوعاء للجباية أو اعفاءه منها. ويتطلب لذلك عدة شروط تلزم أي جهاز رقابي ، منها: استقلال الجهاز القائم بنشاط الدولة المختص بذلك عن الجهاز الحكومي استقلال مشابه لديوان المراقبة العامة بحيث يتصل مباشرة بالملك نظرا لتضارب المصالح ، وأيضا أن يتوفر له نظام إجرائي وقضائي وسلطات غير قابلة للنقض في الجباية والرقابة والتحقق والملاحقة القضائية والاسترداد والعقاب  ، بالإضافة إلى متانة سجلاته وبعدها عن الاختراق أو التلصص مع أعلى معايير التعقيد في الخصوصية والأمان وحدود صلاحيات الإطلاع والتفتيش التي تضمن بقاء سرية المعلومات الخاصة بكل الأفراد بعيدة عن متناول الجميع..!

Thursday 24 November 2011

انهيار سوق العمل السعودي



كم من التعقيد والتحليل نحتاج إلى ربط استقدام العمالة الرخيصة وترك عملية الاستقدام تستمر دون ضوابط ومعايير دقيقة لاستنتاج أنه تسبب :


1- تضخم أعداد الأجانب في السعودية..!

2- شراهة القطاع الخاص في استقدام العمالة الأجنبية..!

3- انخفاض المعايير والجودة المهنية في الكثير من قطاعات الأعمال..!

4- كسر وإضعاف الموقف التفاوضي للقوى العاملة الوطنية ...!

5- فرض شروط تعاقد مجحفة وتعسفية بحق القوى العاملة الوطنية ..!

6- انتزاع مزايا المواطنة وامتيازات المواطن في الحصول على العمل الكريم...!

7- تدني مستويات الأجور والمزايا التعاقد الوظيفي العينية للمواطنين ..!

8- تمكين القطاع الخاص من اختراق أسس وأصول وروح نظام العمل والعمال السعودي دون محاسبة..!

9- تضخم عوائد استثمارات القطاع الخاص على حساب قضايا وطنية واستراتيجيات بديهية في الأمن الاجتماعي والأمان الوظيفي..!

10-الأثر السيء لكثافة العمالة الوافدة على قيم المجتمع السعودي وألفته ببعضه ...!



لعلي لست الأول ممن يعتبر ما أصاب سوق العمل السعودي هو انهيار تاريخي على الأقل بالنسبة لمصالح المواطن السعودي والمواطنة السعودية ، وأصبح ميدان يُعتدى فيه على كرامة طالب العمل السعودي فضلا عن أهليته وكفاءته وأحقيته ، وباب كبير مشرع ووسيلة ضغط على الدولة للتشكيك في منجزاتها وإلقاء اللوم عليها من آن لآخر ، فتستخدم معدلات البطالة في السعودية للتشكيك في مخرجات التعليم وللاستدلال على فشل التعليم العالي وللتطاول على المجتمع السعودي والأسر السعودية ووصمها بالفشل في التربية والإعداد ، وربما أحيانا تطاول على خلقة الرب في الشاب والشابة السعودية ، وأنا أقول هذا كثير ويتسم باللؤم والوقاحة ، وهو مغالطة كبيرة وافتئات على منجزات وطنية والزج بها في صراعات تلميع الذات وإعادة توجيه اللوم على الآخرين ،والإتجار بدماء المواطنين ومعاناتهم ، والتسبب المباشر في تضخيم مشكلة المغتربين الذين يتسولون العمل على حساب أمن واحترام القوانين الوطنية ، وتحريضهم على كسر القوانين والاحتيال على الدولة ومخالفة الأنظمة بكافة أشكالها ومنافسة المواطن على الموارد والمرافق والخدمات والتسبب في استنزافها وإرهاقها طمعا في استمرار المصالح المبنية على تغييب استحقاق المواطن ومغالبته على لقمة عيشه وكرامته ، ورغم ماتعانيه بلادنا من مفارقة عجيبة تتمثل في تزايد مدخولاتها مع تضاؤل فرص العمل فيها للمواطنين والمواطنات فإنه يخيل إليّ أحيانا أن بعض المسؤولين لا تزال على أعينهم غشاوة عن رؤية مسارات الحلول الناجحة والبديهية والتي تحتاج إلى عمل جاد جريء ومبادرات شجاعة تعيد الأمور إلى نصابها ، وتمكن المواطن من استعادة زمام الأمور حسب الطبيعي لكل مواطن في وطنه ، ولعل أبرز هذه الحلول المطروحة تحديد المعايير الدقيقة لجهات الاستقدام بناء على أغراض هادفة وواضحة وعقلانية ومحترفة تخدم سوق العمل لصالح المواطن ، كما يلزم تحديد نطاق الاستقدام ومدته ، وضمان القيمة المضافة إلى ثقافة سوق العمل ، وجدارة وكفاءة العمالة الوافدة في مقابل المواطن ، وآليات حفظ الفرصة التنافسية لصالح الموطن في الحصول على العمل والوظيفة .


مبدئيا مايحدث ينافي الإسلام والأخلاق السوية والشرعة الدولية وهو فساد ظاهر الضرر على الدولة وعلى المواطن وأدعوا الله سبحانه أن يوفق خادم الحرمين الشريفين ليقمع هذه الأطماع ويرفع الغطاء عن المروجين لأية اتهامات باطلة لمخرجات التعليم أو سواها لأن السبب هو فقط سياسة الاستقدام وأنظمته الفاسدة المنفلتة من المسؤولية والتي تخدم فقط مصالح تجار العمالة المستسخرة والخاضعة ، والتي قدمت إلى هذا البلد وليس لديها ماتقدمه إلا تسول العمل باي ثمن لأنها قادمة من مجاعة ولا تستطيع إثراء الثقافة وجودة العمل بل على العكس ،


هل من المعقول أن يتم الاستقدام من بلد مثل بنقلاديش والتي يتم تزوير جميع الوثائق فيها على أرصفة الشوارع جهارا نهارا ، والتي بها أعظم معدلات أمية التعليم وثقافة شعبية تفتقر إلى المعايير الأساسية للنظافة والتهذيب ، وماذا يمكن أن تضيفه لبلدنا عمالة الهند الذين يعيشون في حياتهم اليومية في شوارع تغطيها الوحول وليس لديهم إطلاقا مايزيد عن مايمتلكه طالب المرحلة المتوسطة في المملكة العربية السعودية وفي أحسن الأحوال خريج الثانوية العامة السعودي ، هل هذا هو مانحتاجه ؟؟ أن نبني بيوتا خاوية؟؟ تبنى بأرخص الأسعار ؟؟ هل نوفر تحقيق أحلام المعدمين على حساب أبناء الوطن المكرمين ؟؟؟


هل تم احتساب مقدار الخسائر اليومية التي تصاب بها المملكة جراء الاستمرار في هذه السياسة الفاشلة؟؟ لعمري لهي أكبر مما نحتمل قراءته وسماعه!!!


لماذا لم يوجد نظام تأهيل لتحديد الدول للاستقدام والذي يمكنا من استبعاد بنقلاديش والهند وباكستان وحتى بعض الدول العربية إلا في نطاق ضيق ، وأن لا نبالغ في الأعداد حتى لا تتكدس العمالة وتضيع مصالح الوطن والمواطن وأمنه ، وأن نكرس احترام الوطن الذي يمنح فرص العمل واحترام أبناء هذا الوطن وقوانينه ، ونحترم تبادل الأفكار والتعلم.

تداعيات القرارات الملكية الأخيرة على فكر النخبة



أكاد أجزم بأن طريقتنا في تناول القضايا الملحة وموضوعات التطوير لها أثر كبير في التعثر الذي نشهده على عدد من المستويات ، ولا أدل على ذلك من قضايا قيادة المرأة للسيارة وبقية الجدليات الاجتماعية المشابهة التي يحكمها التوجه الفردي والاجتماعي المتباين بحسب مفاهيم الأسرة والجهوية والاحتياج والثقافة ، والتي لم نأخذ منها سوى المزيد من الصراع والتوتر بين تيارات التشدد والحداثة المختلفة النطاق والحدة .


من الطبيعي أن الحلول الناجحة لا تبدأ بحل ظرفي تفصيلي كقيادة المرأة للسيارة فهذا ليس بقرار سياسي أصلا ، ولا أتخيل أن القيادة العليا للبلاد ستصدر يوما ما مرسوما أو أمرا ساميا ينص على هذه المفردات التفصيلية ، فمن طبيعة الحلول الناجحة أنها تعالج وتبدأ بحل تنظيمي شامل تشريعي شامل يتفوق في تعامله مع المشكلات على الطرح الجزئي الذي يبث الخلاف والنظرة الفردية ، وهذا هو ماحدث مؤخرا من القرارات الملكية الكريمة التي أطلقها خادم الحرمين حفظه الله في مجلس الشورى لتأهيل المرأة السعودية لدخول مضمار الشأن العام.


لا ألوم المجتمع المشغول بهذه الجزئيات التي تفرق ولا تجمع ، ولكنني أعتب على المفكرين وأقلام النخبة الإعلاميين في ترك الباب مواربا لتغذية هذه الخلافات والتشتت ، وعدم أخذهم بزمام المبادرة والطرح وجدية التناول والتركيز على الإطار الذي يكرس تقنين ودسترة حقوق الفرد وإعلانها ، ويؤكد على مرجعية الارتكاز في عمل المؤسسات الحكومية لصالح المواطن ولتلبية احتياجاته وحقوقه المنصوص عليها في القوانين والأنظمة حتى يكون للوظيفة الحكومية مغزى خدمي وتوجه هادف نحو المواطن بجنسيه ، مما يعجل في إحداث التحول في ثقافة ومعنى الوظيفة الحكومية ويساهم في إلغاء الشخصنة ويحفظ للمواطن حقه في التقاضي وتقرير مصير وصلاحية موظفي الدولة القائمين على خدمة المواطن بناء على قدرتهم على الوفاء بهذا النوع من الالتزامات الوظيفية أو انتهاكهم للحدود الوظيفية أو تقصيرهم في القيام بالحد الأدنى من الفائدة المرجوة من عمله الوظيفي وخضوعهم للمحاسبة من قبل المستفيد الأول من وجودهم وبقائهم في الوظائف والمناصب التي أولتهم القيادة الحكيمة في الدولة الثقة للقيام بها.


هذا من شأنه أن يستوعب التوجهات الشخصية فيما يجوز للمرأة أو الرجل وما لايجوز له اجتماعيا ، وللحد من أن يسير الشأن العام والاجتماعي على رأي طرف متشدد أو طرف منفلت أو طرف غير محتاج أو لا يعنيه شأن ما ، بل فتح المجال وتوسيع النطاق ضمن حدود تحفظ الاختيار المدني الحر للمواطن ضمن الأصول الشرعية المعتبرة .


نحن نعاني اليوم من سندان غياب التنظيمات اللازمة لإعطاء الحقوق لأهلها ومن مطرقة قمع طرف من المجتمع لطرف آخر ، والنتيجة تعثر المشاريع الوطنية وتعثر الخيارات الحياتية للمواطن والغرق فيما لا طائل منه ، والوطن غير مستفيد البتة من بقاء حال المعالجات في المستوى التكتيكي دون الارتقاء للمستوى الاستراتيجي ، وهذا ليس برأي بل بديهية علمية ظاهرة وواضحة لعلي هنا فقط ألفت النظر إليها لفتح الأفق في وجه التحديات التي نواجهها في سبيل مشاريع التطوير النوعية التي نطمح لها في كافة المجالات وبالذات في نوعية المستوى المعيشي والرقي بتعامل الجهات الحكومية مع متطلبات المواطنين.


يسؤني جدا الغوص في جدليات مايحق للمرأة ومالا يحق لها بشكل جهوي أو عشائري ومايحق للمواطن بشكل اجتهادي فردي وحماسي يقل أو يزيد حسب مزاج الموظف الحكومي في يوم ما أو ساعة ما ، وأرنو إلى أن ننظر نحو الإطار التنظيمي الأعلى الذي يوجه ويحتوي التنوع بدلا من انتظار إجماع لن يأتي على مفردات الحقوق بناء على وجهات النظر والآراء الشخصية.

Wednesday 23 November 2011

محاربة العفــــــــــة

محاربة العفة

رغم تفوق ومرونة الإسلام الخارقة للزمان والمكان وعلى كافة المتغيرات باعتبار أنه الدين الذي ارتضاه الله تعالى للبشر وباعتبار الأدلة القطعية على مدار التاريخ المؤكدة لذلك ، إلا أن المجتمعات العربية تواجه بطء التغيير الذي أثقل مناح كثيرة في الحياة اليومية التي تخص وتهم الفرد كما المجتمع ، وعلى الكفة الأخرى يشهد العالم منذ عقود تسارعا كبيرا في حجم متغيرات قيم الذوق والتوجهات الثقافية والفكرية ممتطيا منجزات ثورة المعلومات والاتصالات والإعلام وحتى الربيع العربي.

قد لا تنحصر هذه المتغيرات تحت عنوان محدد ولا تندرج في إطار نقبله أو لا نقبله فهي تلونت وارتوت من مشارب متعددة وجذور تبدأ من الحرية والفردية ولا تنتهي عند العقلانية والعلمانية وقشور من ثقافات دينية وقد لا تعبر عن المشترك فيما بيننا وبين هذا العالم المترامي المزدحم الذي أصبح بيتا صغيرا من زجاج ، ولكنها تغزونا بشكل مشاهد وتؤثر في سلوك وأذواق وحتى لغة شرائح وأجيال مختلفة من المجتمع ويتسبب تبنيها في طمس هويتنا وذاتنا شيئا فشيئا ، مما يولد ردود أفعال غير متزنة أو مبالغ فيها لعدم القدرة على التعامل مع الكمية الهائلة من الأفكار والمفاهيم والأنماط السلوكية الغريبة والجديدة المتشكلة أو الآخذة في التشكل.

رغم ذلك فلا نرى هذا الخطر يحظى بالاهتمام من النخبة من مفكرين وأدباء وعلماء وهم المسئولون عن ملاحظة وحتى توقع مانراه يومنا هذا الذي نرى فيه على كفة كثير من مايعد منكرا على الأقل في العرف الاجتماعي وقد أصبح مباحا ويمارس دون استتار أو تواري ، وعلى الكفة الثانية انعدام وشلل تام وعجز كلي عن أي تفاعل أو تطور في العادات أو القيم الاجتماعية أو الخطاب الاجتماعي والنقاش أو أنماط الممارسات للسلوك الاجتماعي للتأثير في دفع عجلة المواكبة والتكيف والملائمة حسب الأوضاع والأحوال الجديدة من متغيرات أصابت كل أطراف المحيط والبيئة.

بكل تأكيد أن الحلول الفردية المبنية على المبادرات الشخصية تبقى ذات أثر محدود وإطار ضيق وأنجح الحلول وأبلغها أثرا هي الحلول المبنية على الدراسات والأبحاث المنهجية ولعل ذلك يقود على الاستثمار من القطاع العام والخاص لإنشاء المؤسسات المتخصصة في الدراسات والأبحاث التي ستُثمر تطورا اجتماعيا يروج لقيم العروبة وعاداتها وأصالتها وكذلك لتعاليم الإسلام أولا.

من الأمثلة التي تذهلني في كثير من الأحيان وتبين مدى التناقض في قيم المجتمع هو ما اختاره ورضيه المجتمع للفتاة من العمل خارج البيت في مجتمع أعمال مختلط أو نصف مختلط أو قليل الاختلاط وعلى الكفة الأخرى قام بتدعيم القواعد للانتصار للعزوبية والعذرية وصادر حقها في طلب النكاح والعفة ، فرغم تعرضها للكثير من المواجهات والالتقاء بالكثير من الفتيان في إطار حياتها اليومية إلا أن فرصها تناقصت في تبدأ حياة أسرية سعيدة متناسبة الاحتياجات للطرفين الفتى والفتاة ، وكذلك الفتى قام المجتمع بمحاصرته بقيم لم توجد في سابق الزمان وأوجدها المجتمع لخنق الفتى والفتاة دونما قصد لغرض عدم التحول من المألوف لغير المألوف.

لا يزال الحوار أبوابه مغلقة بين الأجيال ومع قبولنا بواقع حياة مختلف توجد فيه نسبة من الاختلاط تفوق الزمن الماضي إلا أننا لم نطور أدوات للعفة والحشمة تناسب الواقع الحالي بكل أوجهه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.