Tuesday 3 December 2013

نظرية الأبعاد الثقافية



نظرا لما تحمله هذه النظرية من سبر عميق في الفهم المنهجي العلمي لأنماط وسلوك التجمعات البشرية ، ونظرا لما قد يعتريها من غموض ليس من طبيعتها فقد رأيت أن أعيد تقديمها بشكل أكثر وضوحا ليستفيد منها المهتم بموضوعها ، وقد سبق أن نشرت سلسلة تغريدات باللغة الانجليزية عن الموضوع وهذا المحتوى للقاريء العربي ، وسأتجنب الإطالة التي لايحتاجها القاريء من دراسة تاريخها ونشأتها.


صاحب النظرية هو البروفسور الهولندي جيرت هوفستد عالم انثروبولوجيا وعلم نفس اجتماعي أضاف إضافة ثمينة في "مناهج التحليل" وتطوير "أدوات التأثير" القياسية المتعددة الأبعاد في المجموعات البشرية. درس البروفسور جيرت "آثار تفاعل القوى المختلفة" التي تشكل "ثقافات الشعوب والأمم" وتفسر تباينها في قبول ورفض الظواهر المختلفة. فخرج بنظرية (الأبعاد الثقافية للتجمعات البشرية) كإطار تقييم منهجي للفروق بين الأمم والثقافات. 


وتقوم نظريته على فكرة أنه يمكن توزيع القيمة الاجتماعية على ستة أبعاد ثقافية تقاس بمؤشر في كل بعد من الأبعاد: مؤشر (السلطوية مقابل محدودية السلطة)، مؤشر (الجماعية مقابل الفردية)، مؤشر (تجنب عدم اليقين في مقابل قبول عدم اليقين)، مؤشر (مستوى نمط الذكورة في مقابل الأنوثة)، مؤشر (التوجه الزماني البعيد المدى مقابل القصير المدى) ، وأخيرا مؤشر (تقدير السرور والبهجة في مقابل تقييد السرور والبهجة). 


الأول مؤشر (السلطوية مقابل محدودية السلطة) هو المسافة من السلطة ويكمن في قبول أعضاء المجتمع الأقل سلطة للأعضاء الأكثر سلطة. ويقاس هذا البعد من مستوى توزيع السلطة في ثقافة معينة، وكيف يرى أعضائها المساواة وانطباعهم عن الشكل الهرمي. 


الثاني مؤشر (الفردية مقابل الجماعية) الدرجة التي يتكامل الأفراد إلى مجموعات ، والأهمية لتحقيق أهداف شخصية في المجتمع الجمعي، وفسلفة أهداف المجتمع لرفاه أكبر للأفراد. 


الثالث مؤشر (تجنب عدم اليقين والغموض) هذا البعد يقيس كيف تتعامل المجتمعات مع حالات الغموض وعدم اليقين والأحداث غير المتوقعة والقلق من التغيير.المؤشر المرتفع يدل أن المجتمع أقل تسامحا في التغيير ويميل إلى تحويل القلق حول المجهول من خلال خلق قواعد ولوائح ولقوانين صارمة وبيروقراطية. وفي المجتمعات ذات مؤشر منخفض تكون أكثر انفتاحا للتغيير، والقواعد والقوانين والمبادئ تكون بالصيغة التوجيهية وأكثر مرونة. 


الرابع مؤشر نمط (الذكورة مقابل الأنوثة) يقيس المؤشر مستوى شيوع القوالب النمطية لفكر الذكر مثل القيم والثقة والطاقة والطموح والمادية، في مقابل شيوع الصور النمطية الأنثوية مثل التركيز على العلاقات بالآخرين والانتماء وتقديم التنازلات والتعايش بدل المواجهات. درجات المؤشر العالية في مقياس الذكورة تظهر عموما خلافات أكثر وضوحا بين الجنسين وتميل إلى أن تكون أكثر قدرة على المنافسة والطموح. في المقابل المؤشر بدرجة منخفضة فإن الفروق تكون أقل بين الجنسين والقيمة الأكبر لبناء العلاقات على حساب المنجزات. 


الخامس مؤشر التوجه الزماني (المدى الطويل ضد المدى القصير) يصف هذا المؤشر الأفق الزمني للمجتمع. المؤشر المنخفض يعني أن توجهه الزماني ميال نحو المدى القصير وبالتالي ثقافته موجهة وتعطي قيمة للأساليب التقليدية، والسلطة تأخذ دور في بناء علاقته وميال إلى التعميم ويغفل عن الحاجز الزمني ويرتبط عنده الماضي بالحاضر ، وتصورات ما يمكن القيام به اليوم يمكن أن يكون غدا. أما المؤشر المرتفع فيدل على التوجه بالمدى الطويل وهو يعظم قيمة الزمن والوقت وميال إلى الخطية والتحديد وينظر إلى المستقبل بدلا من الحاضر أو​ الماضي ويعطي اعتبار وقيمة للدافعية والحوافز والمكافآت. 


السادس مؤشر (إظهار السرور والبهجة في مقابل تقييدها) يقيس هذا المؤشر قدرة الثقافة لتلبية الاحتياجات الفورية والرغبات الشخصية لأعضائها ومكانة التعبير عن (السرور والترفيه والمتعة والفرح بين الحاجة والضرورة) أو كونها رفاهية لا يلقي لها المجتمع بالا ، ارتفاع المؤشر يدل على تقدير المجتمع للنجاح والاحتفاء به وتقدير الاحياجات الشخصية والجدارة ، وانخفاض المؤشر يدل على المعايير الاجتماعية الصارمة التي يتم بموجبها تنظيم إشباع الدوافع وتثبيطها.


يقدم الإلمام بهذه النظرية لا على الحصر ، فهم الارتباط مابين الظواهر الاجتماعية والسلوك الفردي والقيمة التقليدية التي درج عليها المجتمع واعتمدها في برمجة الأفراد ، ومنها يمكن لنا أن فهم العوائق التي تقوض أحلام وطموحات الأفراد والمجتمع والتي نتحاشى في أغلب الأحيان المساس بها أو نقدها بدافع أو بتوهم جلالتها وارتباطها بقيم أخرى أكثر قدسية أو كونها امتداد لتلك القيم الأكثر جلالا واعتبارا ، مما يعيق التفاعل الاجتماعي مع "المبادرات دون مساءلة واشتباه" وبالتالي كبح المجتمع في التطلع للتطور وإحراز التقدم . 

No comments: